¤ الرد على من زعم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته:
يزعم البعض أن الرسول صلى الله عليه وسلم حي في قبره كحياتنا، ولو كان الأمر كذلك لما إنصرف الصحابة رضي الله عنهم عن الصلاة وراءه صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وراء غيره ممن لا يدانيه أبدًا في منزلته وفضله، فرؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة غير ممكنة، والدليل على ذلك: أن أمورًا عظيمة وقعت لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهم أفضل الأمة بعد نبيها- كانوا في حاجة ماسة إلى وجوده بين أظهرهم ولم يظهر لهم، نذكر منها:
1= أنه وقع خلاف بين الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسبب الخلافة، فكيف لم يظهر لأصحابه ويفصل النزاع بينهم.
2= إختلاف أبي بكر الصديق مع فاطمة رضي الله عنهما على ميراث أبيها صلى الله عليه وسلم، فإحتجت فاطمة عليه بأنه إذا مات هو إنما يرثه أبناؤه فلماذا يمنعها من ميراث أبيها؟ فأجابها أبو بكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركنا صدقة» رواه البخاري.
3= الخلاف الذي وقع بين طلحة والزبير وعائشة من جهة وعلي بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين من جهة أخرى، والذي أدى إلى وقوع معركة الجمل، فقتل فيها خلق كثير من الصحابة والتابعين، فلماذا لم يظهر لهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يحقن هذه الدماء؟
4= الخلاف الذي وقع بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج، وقد سفكت فيه دماء كثيرة، ولو ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم لرئيس الخوارج وأمره بطاعة إمامه لحقَن تلك الدماء.
5= النزاع الذي وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، والذي أدى إلى وقوع حرب صفين حيث قتل خلق كثير جدًا منهم عمار بن ياسر، فلماذا لم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم حتى تجتمع كلمة المسلمين وتحقن دمائهم.
* أقوال بعض أهل العلم في هذه المسألة:
1) ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 12/385 أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك، ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله: وهذا مشكل جدًا، ولو حُمِل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، ويعكر عليه أن جمعًا جمًا رأوه في المنام، ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف.
2) قال الحافظ السخاوي في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بعد موته: لم يصل إلينا ذلك -أي ادعاء وقوعها- عن أحد من الصحابة ولا عمن بعدهم، وقد اشتد حزن فاطمة رضي الله عنها عليه صلى الله عليه وسلم حتى ماتت كمدًا بعده بستة أشهر على الصحيح، وبيتُها مجاور لضريحه الشريف، ولم تنقل عنها رؤيته في المدة التي تأخرتها عنه، نقل ذلك القسطلاني في المواهب اللدنية 5/295 عن السخاوي.
3) وقال ملا علي قاري في جمع الوسائل شرح الشمائل للترمذي 2/238: إنه -أي ما دعاه المتصوفة من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بعد موته- لو كان له حقيقة لكان يجب العمل بما سمعوه منه صلى الله عليه وسلم من أمر ونهي وإثبات ونفي، ومن المعلوم أنه لا يجوز ذلك إجماعًا، كما لا يجوز بما يقع حال المنام، ولو كان الرائي من أكابر الأنام.
4) قال الشيخ رشيد رضا في فتاواه 6/2385: صرح بعض العلماء المحققين بأن دعوى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته في اليقظة والأخذ عنه دعوى باطلة، وإستدلوا على ذلك بأن أَوْلى الناس بها -لو كانت مما يقع- ابنته سيدة النساء وخلفاؤه الراشدون وسائر أصحابه العلماء، وقد وقعوا في مشكلات وخلاف أفضى بعضه إلى المغاضبة وبعضه إلى القتال، فلو كان صلى الله عليه وسلم يظهر لأحد ويعلمه ويرشده بعد موته لظهر لبنته فاطمة ولأخبرها بصدق خليفته أبى بكر رضي الله عنه فيما روى عنه من أن الأنبياء لا يورثون، وكذا للأقرب والأحب إليه من آله وأصحابه، ثم لمن بعدهم من الأئمة الذين أخذ أكثر أمته دينهم عنهم، ولم يدّع أحد منهم ذلك، وإنما ادعاه بعض غلاة الصوفية بعد خير القرون وغيرهم من العلماء الذين تغلب عليهم تخيلات الصوفية، فمن العلماء من جزم بأن من ذلك ما هو كذب مفترى، وأن الصادق من أهل هذه الدعوى من خُيِّلَ إليه في حال غيبة -أو ما يسمى بين النوم واليقظة- أنه رآه صلى الله عليه وسلم فخال أنه رآه حقيقة على قول الشاعر: ومثلك من تخيَّل ثم خالا.
والدليل على صحة القول بأن ما يدَّعُونه كذب أو تخيُّل ما يروونه عنه صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤية... وكون بعضه مخالفًا لنص كتاب الله وما ثبت من سنته صلى الله عليه وسلم ثبوتًا قطعيًا، ومنه ما هو كفر صريح بإجماع المسلمين.
5) قال الشيخ عبد الحي بن محمد اللكنوي في الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص46: ومنها -أي من القصص المختلقة الموضوعة- ما يذكرونه من أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر بنفسه في مجالس وعظ مولده عند ذكر مولده، وبنَوا عليه القيام عند ذكر المولد تعظيمًا وإكرامًا. وهذا أيضا من الأباطيل لم يثبت ذلك بدليل، ومجرد الاحتمال والإمكان خارج عن حد البيان».
6) قال الشيخ عبدالعزيز بن باز في حكم الاحتفال بالمولد النبوي: بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد، ولهذا يقومون له مُحَيِّين ومرحّبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر إجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ*ثمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:15-16]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع» رواه مسلم عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة. اهـ.
الكاتب: شحاتة صقر.
المصدر: موقع دعوة الانبياء.